اللهم استجب

سبحان الله وبحمده لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ولا حول ولا قوة الا بالله وأنت ربي لا إله الا انت خلقتني وأنا عبدك وأنا علي عهدك ووعدك ما إستطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي فا غفرلي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بالله وأستغفره اللهم اعفوَ عني وعافني وارحمني اللهم واكفني كل همي وفرج كل كربي واكشف البأساء والضراء عني وأعتقني من كل سوء أو شرٍ في الدارين واغفرلي ذنبي وتولني وتول أمري واغفر لوالدي ولأهلي جميعا أبدا ما دامت السماوات والأرضين يا ربي اللهم آمين. 

رابط تحميل المصحف

 تحميل المصحف الشريف

وعن أَبي هريرة ، عن النبيِّ قَالَ: 1.مَنْ نَفَّس عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبةً منْ كُرب الدُّنْيا نفَّس اللَّه عنْه كُرْبةً منْ كُرَب يومِ الْقِيامَةِ، 2.ومَنْ يسَّرَ عَلَى مُعْسرٍ يسَّرَ اللَّه عليْهِ في الدُّنْيَا والآخِرةِ، 3.ومَنْ سَتَر مُسْلِمًا سَترهُ اللَّه فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، 4.واللَّه فِي عَوْنِ العبْدِ مَا كانَ العبْدُ في عَوْن أَخيهِ، 5.ومَنْ سَلَكَ طَريقًا يلْتَمسُ فيهِ عِلْمًا سهَّل اللَّه لهُ به طَريقًا إِلَى الجنَّة. 6.وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بيْتٍ منْ بُيُوتِ اللَّه تعالَى، يتْلُون كِتَابَ اللَّه، ويَتَدارسُونهُ بيْنَهُمْ إلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينةُ، وغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمةُ، وحفَّتْهُمُ الملائكَةُ، وذكَرهُمُ اللَّه فيمَنْ عِندَهُ. 7.ومَنْ بَطَّأَ بِهِ عَملُهُ لَمْ يُسرعْ به نَسَبُهُ رواه مسلم.

Translate

الجمعة، 6 سبتمبر 2024

على بن أبي طالب رضوان الله عليه ..

 

تقدمة في كل ناحية من نواحي النفوس الانسانية ملتقى بسيرة على بن أبي طالب رضوان الله عليه  لأن هذه السيرة تخاطب الإنسان حيثما اتجه اليه الخطاب البليغ من سير الأبطال والعظماء ، وتثير فيه أقوى ما يثيره التاريخ البشرية من ضروب العطف و مواقع العبرة والتامل . في سيرة ابن أبي طالب ملتقى بالعاطفة المشبوبة والاحساس المتطلع إلى الرحمة والإكبار . لأنه الشهيد أبو الشهداء ، يجري تاريخه وتاريخ أبنائه في سلسلة طويلة من مصارع الجهاد والكبوات، ويتراءون للمتتبع من بعيد واحدا بعد واحد شيوخا جللهم وقار الشيب ثم جللهم الشيف الذي لا يرحم ، أو فتيانا عوجلوا وهم في نضرة العمر يحال بينهم وبين متاع الحياة ، بل يحال بينهم أحيانا وبين الزاد والماء ، وهم على حياض المنية جياع ظماء .. وأوشك الألم الصرعهم أن يصبغ ظواهر الكون بصبغتهم وصبغة دمائهم ، حتى قال شاعره فيلسوف كابي العلاء لا يظن به التشيع بل ظنت باسلامه الظنون : وعلى الأفق من دماء الشهيد بن علي ونجله شاهدان فهما في أواخر الليل فجرا ن، وفي أولياته شنقان وهذه غاية من امتزاج العاطفة بتلك السيرة قلما تبلغها في سير الشهداء غاية ، وكثيرا ما تتعطش اليها سرائر الأمم في قصص الفداء التي مرت بها تواريخ الأديان .. وفي سيرة ابن أبي طالب ملتقى الخيال حيث تحلق الشاعرية الانسانية في الأجواء أو تغوص في الأغوار . فهو الشجاع الذي نزعت به الشاعرية الانسانية منزع الحقيقة و منزع التخيل، واشترك في تعظيمه شهود العيان وعشاق الأعاجيب ... ألم يحارب المردة في فلواتها ؟.. ألم يخلق له الرواة أندادا من المناجزين المبارزين لم يخلقهم الله ؟.. ألم يستصغر عليه المحبون الغالبون في الحب أن يصرع من عرفنا من خصومه فأنشئوا له من الخصوم المغلوبين من لم يعرفهم ولم يعرفوه؟ .. ألم يوشك من وصفوه ووصفوا وقعاته وفتكاته أن يلحقوه باب  الأساطير وهو أصدق الأبطال في أصدق مجال . وتلتقي سيرته - عليه رضوان الله - بالفكر كما تلتقى بالخيال والعاطفة ، لأنه صاحب آراء في التصوف والشريعة والأخلاق سبقت جميع الآراء في الثقافة الاسلامية ، ولأنه أحجي الخلفاء الراشدين أن يعد من أصحاب المذاهب الحكيمة بين حكماء العصور ، ولأنه أوتي من الذكاء ما هو أشبه بذكاء الباحثين المنقبين منه بذكاء الساسة المتغلبين فهو الذكاء الذي تحسه في الفكرة والخاطرة قبل أن تحسه في نتيجة العمل ومجرى الأمور وللذوق الأدبي – أو الذوق الفني - ملتقى بسيرته كملتقى الفيكر والخيال والعاطفة ، لأنه رضوان الله عليه كان أديبة بليغا له نهج من الأدب والبلاغة يقتدي به المقتدون ، وقسط من الذوق مطبوع يحمده المتذوقون ، وأن تطاولت بينه وبينهم الستون ، فهو الحكيم الأديب ، والخطيب المبين ، والمنشيء الذي يتصل انشاؤه بالعربية ما اتصلت آيات الناشرين والناظمين .. وللنفس الإنسانية نواحيها الكثيرة غير نواحي العطف والتخيل والتفكير ، وتذوق الحرس الجميل من التعبير . فين نواحيها الكثيرة ناحية لم تنقطع قط في زمن من الأزمان، وهي ناحية الخلاف بين الطبائع والأذهان ، أو ناحية الخصومة الناشبة أبدا على رأي من الأراء ، أو حق من الحقوق أو وطن من الأوطان. فقد يفتر العقل والذوق بعض حين ، وقد يفتر الخيال والعاطفة بعض حين ، ولكن الذي لم يفتر قط ولا نخاله يفتر في حين من الأحايين خصام العقول وجدل الألسنة واختلاف المختلفين و تشیع المتشيعين. وان ها هنا للمجال الرغيب والملتقى القريب في سيرة هذا الأمام الأوحد التي لاتشبهها يسيرة في هذه الخاصة بين شتى الخواص ، وهو رضوان الله عليه قد قال في ذلك أوجز مقال حين قال : «ليحبني أقوام حتى يدخلوا النار في حبي ، ويبغضني أقوام حتى يدخلوا النار في بغضي».... أو حين قال : «يهلك في رجلان : محب مفرط بما ليس في ومبغض يحمله شناني علي أن بيهتني». وصدق الامام الكريم في غلو الطرفين من محبيه ومن مبغضيه. فقد بلغ من حب بعضهم اياه أن رفعوه الى مرتبة الآلهة المعبودين ، وبلغ من كراهة بعضهم اياه أن حكموا عليه بالمروق من الدين : هنا الروافض الغلاة يعبدونه وينهاهم عن عبادته فلا يطيعونه ویستتيبهم فيصرون على الكفر أي اصرار ، ويأمر بإحراقهم فيقولون وهم يساقون إلى الحفيرة الموقدة : أنه الله وانه هو الذي يعذب بالنار! ... وهناك الخوارج المملاة يعلنون فره ويطلبون منه التوبة الى الله عن عصيانه .. ويسبونه على المنابر كما سبه خصومه الأمويون الذين خالفوهم في العقيدة ووافقوهم على السيباب .. میدان من ميادين الملاحاة لم يتسع قط میدان متسعه في تواريخ الأبطال المعرضين للحب والبغضاء : يقول اناس" : إله . ويقول اناس: کافر مطرود من رحمة الله !... وناحية أخرى من نواحي النفس الكثيرة تلاقيها سيرة الامام في أكثر من طريق : وتلك هي ناحية الشكوى والتمرد أو ناحية الشوق الى التجديد والاصلاح . فقد أصبح اسم علي علما يلتف به كل مغصوب ، وصيحة ينادي بها كل طالب انصاف ، وقامت ، باسمه الدول بعد موته لأنه لم تقم له دولة في حياته . وجعل الغاضبون على كل مجتمع باغ ، وكل حكومة جائرة . يلوذون بالدعوة العلوية كانها الدعوة المرادفة لكلمة الاصلاح ، أو كانها النفس الذي يستروح اليه مكظوم .. فمن نازع في رأي ، ففي اسم على شفاء لنوازع نفسه ، ومن ثار على ضيم ففي اسم علي حافز الثورته ومرضاة لغضبه ، ومن واجه التاريخ العربي بالعقل أو بالذوق أو بالخيال أو بالعاطفة فهناك ملتقى بينه وبين علي في وجه من وجوهه ، وعلى حالة من حالاته . وتلك هي المزية التي انفرد بها تاريخ الامام بين تواريخ الأمة الخلفاء ، . فاصبحت بينه وبين قلوب الناس وشائج تخلقها الطبيعة الآدمية إن قصر في خلقها التاريخ والمؤرخون . وكل ملتقى من هذه الملتقيات يدع الكاتب في حذر ما بعده من حذر ، لأن اشتباك العوامل النفسية يزيد صعوبة الباحث عن نفس من النفوس ، ولا ينقصها أو يؤول بها إلى البساطة والوضوح ، وكلما قلت هذه العوامل وانحصرت في ناحية من النواحي سهل الخارص الى مقطع الحق فيها. فالبطل الذي يلتقي بالفكر وحده أسهل من البطل الذي يلتقي بالفكر والعاطفة ، وأن هذا الأسهل من الذي يلتقي بالفكر والعاطفة والخيال ، وكل" أولئك أسهل ممن يلتقي في ألف سنة متوالية بدخائل النفوس جميعا من طموح إلى المثل الأعلى، أو حرص على الملاحاة ، أو شغف بالبلاغة أو رياضة على التقوى ، مزيدا على التخيل والشعور والتفكير لهذا نعلم غير مترددين في علمنا أن واجبنا في « عبقرية الإيماي مرسوم الغاية والطريق ، وهو واجب التبسيطر والقصد إلى الخطة الوسطى ، وفي علمنا بهذا بعض التيسير ، وان لم يكن فيه كل التيسير ،۔ نرجع بعبقرية الامام ، إلى الحقيقة الوسطى . ترجع من عشرين طريقا إلى بداية واحدة ، لأن الطريق الواحدة لا تؤدي اليها أقرب أداء . وحسبنا أننا عرفنا ضرورة الرجوع من كل هذه الطرق الى تلك البداية المقصودة فعلى بركة الله .. ================ ۱ صفاته المشهور عن علي كرم الله وجهه أنه كان أول هاشمي من أبوين هاشميين .. فاجتمعت له خلاصة الصفات التي اشتهرت بها هذه الأسرة الكريمة وتقاربت سماتها وملامحها في كثير من أعلامها المقدمين، وهي في جملتها النبل والأيد والشجاعة والمروءة والذكاء، عدا المأثور في سماتها الجسدية التي تلاقت أو تقاربت في عدة من أولئك الأعلام. فهو ابن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف. وقيل: إن اسمه الذي اختارته له أمه: حيدرة باسم أبيها أسد .. والحيدرة هو الأسد .. ثم غيَّره أبوه فسمَّاه عليًّا وبه عرف واشتهر بعد ذلك .. وكان علي أصغر أبناء أبويه، وأكبر منه جعفر وعقيل وطالب، وبين كل منهم وأخيه عشر سنين . قيل: إن عقيلًا كان أحب هؤلاء الإخوة إلى أبيه، فلما أصاب القحط قريشًا وأهاب رسول الله — عليه السلام — بعميه حمزة والعباس أن يحملوا ثقل أبي طالب في تلك الأزمة جاءوه، وسألوه أن يدفع إليهم ولده ليكفوه أمرهم، فقال: دعوا لي عقيلًا وخذوا من شئتم، فأخذ العباس طالبًا، وأخذ حمزة جعفر، وأخذ النبي — عليه السلام — عليًّا كما هو مشهور، فعوضه إيثار النبي بالحب عن إيثار أبيه، ولكنه عرف هذا الإيثار في طفولته الأولى، فكان سابقة باقية الأثر في نفسه على ما يبدو من أطوار حياته التالية، وجاءت لهذه السابقة لواحقها الكثيرة على توقع واستعداد، فتعود أن يفوته الحق والتفضيل وهو يدرج في صباه. وربما صح من أوصاف عليٍّ في طفولته أنه كان طفلًا مبكر النماء سابقًا لأنداده في الفهم والقدرة؛ لأنه أدرك في السادسة أو السابعة من عمره شيئًا من الدعوة النبوية التي يَدِقُّ فهمها، والتنبه لها على من كان في مثل هذه السن المبكرة، فكانت له مزايا التبكير في النماء كما كانت له أعباؤه ومتاعبه التي تلازم أكثر المبكرين، ولا سيما المولودين منهم في شيخوخة الآباءونشأ — رضي الله عنه — رجلًا مكين البنيان في الشباب والكهولة، حافظًا لتكوينه المكين حتى ناهز الستين … قال واصفوه وهو في تمام الرجولة إنه كان رضي الله عنه ربعة أميل إلى القصر، آدم — أي: أسمر — شديد الأدمة، أصلع مبيض الرأس واللحية طويلها، ثقيل العينين في دعج وسعة، حسن الوجه، واضح البشاشة، أغيد كأنما عنقه إبريق فضة، عريض المنكبين لهما مشاش كمشاش١ السبع الضاري لا يتبين عضده من ساعده قد أدمجت إدماجًا، وكان أبجر — أي: كبير البطن — يميل إلى السمنة في غير إفراط، ضخم عضلة الساق دقيق مستدقها، ضخم عضلة الذراع دقيق مستدقها، شثن الكفين، يتكفأ في مشيته على نحوٍ يقارب مشية النبي، ويقدم في الحرب فيقدم مهرولًا لا يلوي على شيء. وتدل أخباره — كما تدل صفاته — على قوة جسدية بالغة في المكانة والصلابة على العوارض والآفات، فربما رفع الفارس بيده فجلد به الأرض غير جاهد ولا حافل، ويمسك بذراع الرجل فكأنه أمسك بنفسه فلا يستطيع أن يتنفس، واشتهر عنه أنه لم يصارع أحدًا إلا صرعه، ولم يبارز أحدًا إلا قتله، وقد يزحزح الحجر الضخم لا يزحزحه إلا رجال، ويحمل الباب الكبير يعيي بقلبه الأشداء، ويصيح الصيحة فتنخلع لها قلوب الشجعان. ومن مكانة تركيبه — رضي الله عنه — أنه كان لا يبالي الحر والبرد، ولا يحفل الطوارئ الجوية في صيفٍ ولا شتاء، فكان يلبس ثياب الصيف في الشتاء وثياب الشتاء في الصيف، وسئل في ذلك فقال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلي وأنا أرمد العين يوم خيبر، فقلت: يا رسول الله، إني أرمد العين، فقال: اللهم أذهب عنه الحر والبرد، فما وجدت حرًّا ولا بردًا منذ يومئذ …» *** ولا يفهم من هذا أنه — رضوان الله عليه — كان معدوم الحس بالحر والبرد بالغًا ما بلغت بهما القساوة والإيذاء، فقد كان يرعد للبرد إذا اشتد ولم يتخذ له عدة من دثارٍ يقيه، قال هارون بن عنترة عن أبيه: دخلت على علي بالخورنق — وهو فصل شتاء — وعليه خلق قطيفة وهو يرعد فيه، فقلت: يا أمير المؤمنين، إن الله قد جعل لك ولأهلك في هذا المال نصيبًا، وأنت تفعل هذا بنفسك؟ … فقال: والله ما أرزؤكم شيئًا، وما هي إلا قطيفتي التي أخرجتها من المدينة. فليس هو انعدام حس بالصيف والشتاء، إنما هي مناعة قوية خصت بها بنيته، لم يخص بها معظم الناس. وكان إلى قوته البالغة، شجاعًا لا ينهض له أحد في ميدان مناجزة، فكان لجرأته على الموت لا يهاب قِرنًا من الأقران بالغًا ما بلغ من الصولة ورهبة الصيت، واجترأ وهو فتى ناشئ على عمرو بن ود فارس الجزيرة العربية، الذي كان يقوم بألف رجل عند أصحابه وعند أعدائه، وكانت وقعة الخندق فخرج عمرو مقنعًا في الحديد ينادي جيش المسلمين: من يبارز … فصاح علي: أنا له يا نبي الله … قال النبي وبه إشفاق عليه: إنه عمرو، اجلس، ثم عاد عمرو ينادي: ألا رجل يبرز؟ … وجعل يؤنبهم قائلًا: أين جنتكم التي زعمتم أنكم داخلوها إن قتلتم؟ … أفلا تبرزون إليَّ رجلًا؟ … فقام علي مرةً بعد مرة وهو يقول: أنا له يا رسول الله، ورسول الله يقول له مرةً بعد مرة: اجلس، إنه عمرو، وهو يجيبه: وإن كان عمرًا … حتى أذن له فمشى إليه فرحًا بهذا الإذن الممنوع كأنه الإذن بالخلاص … ثم نظر إليه عمرو فاستصغره وأنف أن يناجزه وأقبل يسأله: من أنت؟ … قال ولم يزد: أنا عليٌّ، قال: ابن عبد مناف؟ … قال: ابن أبي طالب، فأقبل عمرو عليه يقول: يا ابن أخي … من أعمامك من هو أسن، وإني أكره أن أهريق دمك، فقال له عليٌّ: لكني والله لا أكره أن أهريق دمك، فغضب عمرو وأهوى إليه بسيفٍ كان كما قال واصفوه كأنه شعلة نار، واستقبل علي الضربة بدرقته فقدَّها السيف وأصاب رأسه، ثم ضربه عليٌّ على حبل عائقه فسقط ونهض، وسقط ونهض، وثار الغبار، فما انجلى إلا عن عمرو صريعًا وعلي يجأر بالتكبير. وكأنما كانت شجاعته هذه القضاء الحتم الذي لا يؤسى على مصابه؛ لأنه أحجى المصائب، وأقلها معابةً ألا يدفع، فكانت أخت عمرو بن ود تقول على سبيل التأسي بعد موته: لو كان قاتل عمرو غير قاتله بكيته أبدًا ما دمت في الأبد لكن قاتله من لا نظير له وكان يدعى أبوه بيضة البلد فكانت شجاعته من الشجاعات النادرة التي يشرف بها من يصيب بها ومن يُصابويزيدها تشريفًا أنها ازدانت بأجمل الصفات التي تزين شجاعة الشجعان الأقوياء … فلا يعرف الناس حلية للشجاعة أجمل من تلك الصفات التي طبع عليها علي بغير كلفة ولا مجاهدة رأي، وهي التورع عن البغي، والمروءة مع الخصم قويًّا أو ضعيفًا على السواء، وسلامة الصدر من الضغن على العدو بعد الفراغ من القتال. فمن تورعه عن البغي، مع قوته البالغة وشجاعته النادرة، أنه لم يبدأ أحدًا قط بقتال وله مندوحة عنه، وكان يقول لابنه الحسن: «لا تدعوَنَّ إلى مبارزة، فإن دعيت إليها فأجب، فإن الداعي إليها باغٍ والباغي مصروع» … وعلم أن جنود الخوارج يفارقون عسكره ليحاربوه، وقيل له: إنهم خارجون عليك فبادرهم قبل أن يبادروك، فقال: «لا أقاتلهم حتى يقاتلوني، وسيفعلون …!» وكذلك فعل قبل وقعة الجمل، وقبل وقعة صِفين، وقبل كل وقعة صغرت أو كبرت ووضح فيها عداء العدو أو غمض: يدعوهم إلى السلم وينهى رجاله عن المبادأة بالشر، فما رفع يده بالسيف قط إلا وقد بسطها قبل ذلك للسلام. كان يعظ قومًا فبهرت عظته بعض الخوارج الذين يكفرونه، فصاح معجبًا إعجاب الكاره الذي لا يملك بغضه ولا إعجابه: قاتله الله كافرًا ما أفقهه … فوثب أتباعه ليقتلوه، فنهاهم عنه، وهو يقول: إنما هو سبٌّ بسب أو عفوٌ عن ذنب. وقد رأينا أنه كان يقول لعمرو بن وُد: إني لا أكره أن أهريق دمك … ولكنه على هذا لم يرغب في إهراق دمه إلا بعد يأس من إسلامه ومن تركه حرب المسلمين فعرض عليه أن يكف عن القتال فأنف، وقال: إذن تتحدث العرب بفراري، وناشده: يا عمرو، إنك كنت تعاهد قومك ألا يدعوك رجل من قريش إلى خلتين إلا أخذت منه إحداهما، قال: أجل، قال: فإني أدعوك إلى الإسلام أو إلى النزال، قال: ولمَ يا ابن أخي؟ … فوالله ما أحب أن أقتلك … فلم يكن له بدٌّ بعد ذلك من إحدى اثنتين: أن يقتله أو يقتل على يديه. وعلى ما كان بينه وبين معاوية وجنوده من اللدد في العداء لم يكن ينازلهم، ولا يأخذ من ثاراته وثارات أصحابه عندهم إلا بمقدار ما استحقوه في موقف الساعة: فاتفق في يوم صفين أن خرج من أصحاب معاوية رجل يسمى كريز بن الصباح الحميري، فصاح بين الصفين: من يبارز؟ … فخرج إليه رجل من أصحاب علي فقتله ووقف عليه ونادى: من يبارز؟ فخرج إليه آخر فقتله وألقاه على الأول، ثم نادى: من يبارز؟ … فخرج إليه الثالث فصنع به صنيعه بصاحبه، ثم نادى رابعة: من يبارز؟ … فأحجم الناس ورجع من كان في الصف الأول إلى الصف الذي يليه، وخاف علي أن يشيع الرعب بين صفوفه، فخرج إلى ذلك الرجل المدل بشجاعته وبأسه فصرعه، ثم نادى نداءه حتى أتم ثلاثة صنع بهم صنيعه بأصحابه، ثم قال مسمعًا الصفوف: يا أيها الناس، إن الله — عز وجل — يقول: الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ، ولو لم تبدءونا ما بدأناكم ثم رجع إلى مكانه. ما مروءته في هذا الباب فكانت أندر بين ذوي المروءة من شجاعته بين الشجعان، فأبى على جنده وهم ناقمون أن يقتلوا مدبرًا أو يجهزوا على جريح أو يكشفوا سترًا أو يأخذوا مالًا، وصلى في وقعة الجمل على القتلى من أصحابه ومن أعدائه على السواء، وظفر بعبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص، وهم ألد أعدائه المؤلبين عليه فعفا عنهم ولم يتعقبهم بسوء، وظفر بعمرو بن العاص وهو أخطر عليه من جيشٍ ذي عدة، فأعرض عنه وتركه ينجو بحياته حين كشف عن سوأته اتقاءً لضربته … وحال جند معاوية بينه وبين الماء في معركة صفين، وهم يقولون له: ولا قطرة حتى تموت عطشًا … فلما حمل عليهم وأجلاهم عنه سوَّغ لهم أن يشربوا منه كما يشرب جنده، وزار السيدة عائشة بعد وقعة الجمل، فصاحت به صفية أم طلحة الطلحات: أيتم الله منك أولادك كما أيتمت أولادي، فلم يرد عليها شيئًا، ثم خرج فأعادت عليه ما استقبلته به فسكت ولم يرد عليها، قال رجل أغضبه مقالها: يا أمير المؤمنين، أتسكت عن هذه المرأة وهي تقول ما تسمع؟ … فانتهره وهو يقول: ويحك؟ … إنا أمرنا أن نكف عن النساء وهم مشركات أفلا نكف عنهن وهن مسلمات؟ … وإنه لفي طريقه إذ أخبره بعض أتباعه عن رجلين ينالان من عائشة، فأمر بجلدهما مائة جلدة، ثم ودع السيدة عائشة أكرم وداع وسار في ركابها أميالًا، وأرسل معها من يخدمها ويحف بها، قيل: إنه أرسل معها عشرين امرأة من نساء عبد القيس عممهن بالعمائم، وقلَّدهن السيوف … فلما كانت ببعض الطريق ذكرته بما لا يجوز أن يذكر به وتأففت وقالت: هتك ستري برجاله وجنده الذين وكلهم بي … فلما وصلت إلى المدينة ألقى النساء عمائمهن وقلن لها: إنما نحن نسوة. وكانت هذه المروءة سنته مع خصومه، من استحق منهم الكرامة ومن لم يستحقها، ومن كان في حرمة عائشة — رضي الله عنها — ومن لم تكن له قط حرمة، وهي أندر مروءة عرفت من مقاتل في وغر القتالوتعدلها في النبل والندرة سلامة صدره من الضغن على أعدى الناس له، وأضرهم به وأشهرهم بالضغن عليه، فنهى أهله وصحبه أن يمثلوا بقاتله وأن يقتلوا أحدًا غيره، ورثى طلحة الذي خلع بيعته وجمع الجموع لحربه رثاء محزون يفيض كلامه بالألم والمودة، وأوصى أتباعه ألا يقاتلوا الخوارج الذين شقوا صفوفه، وأفسدوا عليه أمره وكانوا شرًّا عليه من معاوية وجنده؛ لأنه رآهم مخلصين وإن كانوا مخطئين وعلى خطئهم مُصرِّين … ••• وتقترن بالشجاعة — ولا سيما شجاعة الفرسان المقاتلين بأيديهم — صفة لازمة لها متممة لعملها قلما تنفصل عنها، وكأنها والشجاعة أشبه شيء بالنضح للماء، أو بالإشعاع للنور، فلا تكون شجاعة الفروسية إلا كانت معها تلك الصفة التي نشير إليها، وهي صفة «الثقة» أو «الاعتزاز» أو الادراع بالهيبة والتهويل على الخصوم، ولا سيما في مواقف النزال. وقد يسميها بعض الناس زهوًا وليست هي به ولا هي من معدنه وسمته، وإن شابهته في بعض الملامح والألوان. فالزهو المذموم فضول لا لزوم له ولا خير فيه، وهو لونٌ خادع قد يوجد مع الضعف كما يوجد مع القوة، وقد يبدو على الجبان كما يبدو على الشجاعأما هذا الاعتزاز الذي نشير إليه، أو هذه الثقة التي تظهر لنا في صورة الاعتزاز، فهي جزء من شجاعة الفارس المقاتل لا يستغني عنه ولا يزال متصلًا بعمله في مواجهة خصومه، وهو عرض للقوة يساعد الفارس في إرهاب عدوه وإضعاف عزيمة من يتصدى لحربه … مثله هنا كمثل العروض التي تعمد إليها الجيوش لإعلان بأسها، وتخويف الأعداء من الاستخفاف بها والهجوم عليها، فهو كالشجاعة أداة ضرورية من أدوات القتال لا تنفصل عنها، وليس كل ما فيها ضربًا من الخيلاء يرضي به الشجاع غروره، ويتيه به في عير حاجةٍ إلى التيه. ولهذا تحمس الناس للفخر العسكري من قديم الزمن وعهدوه وتحدثوا به وتناقلوه، فسمحوا للفارس — بل لعلهم أوجبوا عليه — أن يروغ من خصمه بالفخر المرعب إذ يتقدم لنزاله، وأن يلاقيه وهو ينشد الأشعار في ذكر وقعاته والتهويل بضرباته والإشادة بغزواته، وعلموا أنهم — وقد احتاجوا إلى شجاعته — محتاجون كذلك إلى فخره وحماسته، وإيقاع الرعب في جَنان قِرنه، فشاعت قصائد الفخر والحماسة كما شاعت قصائد الحب والمناجاة، وهي أحب القصائد إلى القلوب. ••• ومن تأصُّل هذه العادة في الطبائع أنها تشاهد في جميع الأحياء فطرةً وارتجالًا بغير اصطناعٍ ولا تعمد، فلا نرى حيًّا من الأحياء الناطقة أو العجماء ينازل قرنًا له إلا حاول ما استطاع أن يهوله بتكبير حجمه، واستطالة قدره واتمار نظره وتنفيش ريشه أو شعره، ويقف الإنسان مثل هذا الموقف فيطيل قامته، ويبرز صدره ويدق بيده عليه ويقول بلسان حاله ما يقال باللسان، فإذا هو الفخر والحماسة وإذا هو عنوان الثقة والإقدام … هذه الصفة لازمة لفرسان الميدان، ولا سيما فرسان العصور الأولى الذين يقفون للقتال وجهًا لوجه، وينظر أحدهم إلى قرنه وهو يهجم عليه. وكانت هذه الصفة من صفات علي — رضي الله عنه — يفهمها من يريد أن يفهم ولا يضيق صدرًا بفضله، وينكرها من ينفس عليه فيسميها الزهو أو يسميها الجفوة والخيلاء، قال له قيس بن سعد بعد عزله من ولاية مصر: إنك والله ما علمت لتنظر الخيلاء … ومر الزبير بن العوام مع رسول الله في بني غنيم، فرأى رسول الله عليًّا على مقربةٍ منه فضحك له وضحك عليٌّ يحييه، فقال الزبير: لا يدع ابن أبي طالب زهوه، قال رسول الله: إنه ليس به زهو، ولتقاتلنه وأنت له ظالمفليس هو بالزهو المكروه، ولكنها الشجاعة التي يمتلئ بها الشجاع والثقة التي تتراءى مكشوفة في صراحتها واستقامتها؛ لأن صاحبها لم يتكلف مداراتها ولم يحس أنه يحتاج إلى مداراتها؛ ولأنه لا يقصدها ولا يتعمد إبداءها … ••• وقد كان مدار هذا الخلق في ابن أبي طالب على ثقةٍ أصيلة فيه لم تفارقه منذ حبا ودرج، وقبل أن يبلغ مبلغ الرجال، فما منعته الطفولة الباكرة يومًا أن يعلم أنه شيء في هذه الدنيا، وأنه قوة لها جوار يركن إليه المستجير، ولقد كان في العاشرة أو نحوها يوم أحاط القروم القرشيون بالنبي — عليه السلامينذرونه وينكرونه وهو يقلب عينه في وجوههم، ويسأل عن النصير ولا نصير … لو كان بعلي أن يرتاع في مقام نجدة أو مقام عزيمة لارتاع يومئذٍ بين أولئك الشيوخ الذين رفعتهم الوجاهة، ورفعتهم آداب القبيلة البدوية إلى مقام الخشية والخشوع، ولكنه كان عليًّا في تلك السن الباكرة كما كان عليًّا وهو في الخمسين أو الستين … فما تردد وهم صامتون مستهزئون أن يصيح صيحة الواثق الغضوب: أنا نصيرك … فضحكوا منه ضحك الجهل والاستكبار، وعلم القدر وحده في تلك اللحظة أن تأييد ذلك الغلام أعظم وأقوم من حرب أولئك القرومعليٌّ هذا هو الذي نام في فراش النبي ليلة الهجرة، وقد علم ما تأتمر به مكة كلها من قتل الراقد على ذلك الفراش. وعلي هذا هو الذي تصدى لعمرو بن ود مرةً بعد مرة، والنبي يجلسه ويحذره العاقبة التي حذرها فرسان العرب من غير تحذير، يقول النبي: اجلس، إنه عمرو، فيقول: وإن كان عمرًا … كأنه لا يعرف من يخاف ولا يعرف كيف يخاف، ولا يعرف إلا الشجاعة التي هو ممتلئ بها واثق فيها في غير كلفة ولا اكتراث. وتمكنت هذه الثقة فيه لطول مراس الفروسية، التي هي كما أسلفنا جزء منها وأداة من أدواتها. وزادها تمكينًا حسد الحاسدين ولجاجة المنكرين، وكلاهما خليق أن يعتصم المرء منه بثقة لا تنخذل، وأنفةٍ لا تلين، فمن شواهد هذه الثقة بنفسه أنه حملها من ميدان الشجاعة إلى ميدان العلم والرأي حين كان يقول: «اسألوني قبل أن تفقدوني، فوالذي نفسي بيده لا تسألوني في شيءٍ فيما بينكم وبين الساعة، ولا عن فئةٍ تهدي مائة وتضل مائة إلا أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها، ومناخ ركابها ومحط رحالهاومن شواهدها أنه كان يقول والخارجون عليه يرجمونه بالمروق: «ما أعرف أحدًا من هذه الأمة عبد الله بعد نبينا غيري، عبدت الله قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة تسع سنينوزاده اتهام من حوله معتصمًا بالثقة بنفسه، فلما عتب عليه خصماه طلحة والزبير أنه ترك مشورتهما قال: «نظرت إلى كتاب الله وما وضع لنا وأمرنا بالحكم به فاتبعته، وما استن النبي صلى الله عليه وسلم فاقتديته، فلم أحتج في ذلك إلى رأيكما ولا رأي غيركما، ولا وقع حكم جهلته فأستشيركما وإخواني المسلمين، ولو كان ذلك لم أرغب عنكما ولا عن غيركما …» وأبدى هذه الخليقة منه أنه كان — رضي الله عنه — لا يتكلف ولا يحتال على أن يتألف، بل كان يقول: «شر الإخوان من تكلف له.» ويقول: «إذا احتشم المؤمن أخاه فقد فارقه.» فكان الذين ينتظرون منه الاصطناع والإرضاء يخطئون ما انتظروه، ولا سيما إذا هم انتظروه من أرزاق رعاياه وحقوقهم التي اؤتمن إليها، فيحسبون أنها الجفوة البينة وأنه الزهو المقصود وما هو بهذا ولا بتلك … إنما هي شجاعة الفارس بلوازمها التي لا تنفصل منها، وإنما هو امتعاض المغموط المسيء ظنًّا بمن حوله يتراءى على سجيته في غير مداراة ولا رياء، فما كان يتكلف إظهار تلك الخلائق زهوًا كما يسمونه أو جفوةً كما يحسبونها، بل كان قصاراه ألا يتكلف الإخفاء، فإذا التفت قاصدًا إلى ما في نفسه فهو لا يقصد العجب ولا يرضاه، بل ينهى عنه ويشتد في اجتنابه، ويوصي من أحب: «إياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها» … «واعلم أن الإعجاب ضد الصواب، وآفة الألبابنعم كان ملاك الأمر في أخلاق علي — عليه السلام — أنه كان لا يتكلف إظهار شيء، ولا يتكلف إخفاء شيء، ولا يقبل التكلف حتى من مادحيه، فربما أفرط الرجل في الثناء عليه وهو متهم عنده فلا يدعه حتى يعلن له طويته، ويقول له: «أنا دون ما تقول وفوق ما في نفسك.» ••• وكانت قلة التكلف هذه توافق منه خليقته الكبرى من الشجاعة والبأس والامتلاء بالثقة والمنعة، وكانت تسلك معه مسلك الحقيقة والمجاز على السواء، كأنه يعني ما يصنع وهو لا يعنيه، وإنما يجيء منه على البديهة كما تجيء الأشياء من معادنها: كان مثلًا يخرج إلى مبارزيه حاسر الرأس ومبارزوه مقنعون بالحديد، أفعجيبٌ منه أن يخرج إليهم حاسر النفس وهم مقنعون بالحيلة والرياء؟ … وكان يغفل الخضاب أحيانًا ويرسل الشيب ناصعًا، وهو لا يحرم خضابه في غير ذلك من الأحيان، أفعجيبٌ منه — مع هذا — أن يقل اكتراثه لكل خضاب ساترًا ما ستر، أو كاشفًا ما كشف، من رأيٍ وخليقة؟ بل كانت قلة التكلف هذه توافق منه خليقة أخرى كالشجاعة في قوتها ورسوخهاأو هي قريبة للشجاعة في نفس الفارس النبيل وقلما تفارقها، ونعني بها خليقة الصدق الصراح الذي يجترئ به الرجل على الضر والبلاء، كما يجترئ به على المنفعة والنعماء، فما استطاع أحدٌ قط أن يحصي عليه كلمة خالف فيها الحق الصراح في سلمه وحربه، وبين صحبه أو بين أعدائه، ولعله كان أحوج إلى المصانعة بين النصراء مما كان بين الأعداء؛ لأنهم أرهقوه باللجاجة وأعنتوه بالخلاف، فما عدا معهم قول الصدق في شدةٍ ولا رخاء، حتى قال فيه أقرب الناس إليه: إنه رجلٌ يعرف من الحرب شجاعتها، ولكنه لا يعرف خدعتها، وكان أبدًا عند قوله: «علامة الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك، على الكذب حيث ينفعك، وألا يكون في حديثك فضل على علمك، وأن تتقي الله في حديث غيرك» … ••• وصدق في تقواه وإيمانه كما صدق في عمل يمينه ومقالة لسانه، فلم يعرف أحد من الخلفاء أزهد منه في لذة دنيا أو سيب دولة، وكان وهو أمير للمؤمنين يأكل الشعير وتطحنه امرأته بيديها، وكان يختم على الجراب الذي فيه دقيق الشعير، فيقول: «لا أحب أن يدخل بطني ما لا أعلم» … قال عمر بن عبد العزيز وهو من أسرة أميَّة التي تبغض عليًّا، وتخلق له السيئات وتخفي ما توافر له من الحسنات: «أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب.» وقال سفيان: «إن عليًّا لم يبن آجرة على آجرة ولا لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة.» وقد أبى أن ينزل القصر الأبيض بالكوفة إيثارًا للخصاص التي يسكنها الفقراء، وربما باع سيفه ليشتري بثمنه الكساء والطعام، وروى النضر بن منصور عن عقبة بن علقمة قال: «دخلت على عليٍّ — عليه السلام — فإذا بين يديه لبن حامض آذتني حموضته وكسر يابسة، فقلت: يا أمير المؤمنين، أتأكل مثل هذا؟ فقال لي: يا أبا الجنوب، كان رسول الله يأكل أيبس من هذا ويلبس أخشن من هذا — وأشار إلى ثيابه — فإن لم آخذ بما أخذ به خفت ألا ألحق به» … وعلى هذا الزهد الشديد كان علي — رضي الله عنه — أبعد الناس من كزازة طبع وضيق حظيرة وجفاء عشيرة، بل كانت فيه سماحة يتبسط فيها حتى يقال دعابة، وروي عن عمر بن الخطاب — رضي الله عنه — أنه قال له: «لله أبوك لولا دعابة فيك.» وأنه قال لمن سألوه في الاستخلاف: «ما أظن إلا أن يلي أحد هذين الرجلين: علي أو عثمان، فإن ولي عثمان فرجلٌ فيه لين، وإن ولي علي ففيه دعابة، وأحر به أن يحملهم على الطريق.» ••• وأغرق ابن العاص في وصف الدعابة فسماها «دعابة شديدة»، وطفق يرددها بين أهل الشام ليقدح بها في صلاح الإمام للخلافة، وإنما نقول: إن ابن العاص أغرق في هذا الوصف، وإن الدعابة المعيبة لم تكن قط من صفاته؛ لأن تاريخ عليٍّ وأقواله ونوادره مع صحبه وأعدائه محفوظة لدينا، لا نرى فيها دليلًا على خلق الدعابة فضلًا عن الدليل على الإفراط فيه … فإن كان لهذا الوصف أثر أجاز لعمر بن الخطاب أن يذكره، فربما كان مرجع ذلك أن عليًّا خلا من الشغل الشاغل سنين عدة، فأعفاه الشغل الشاغل من صرامته وأسلمه حينا الى سماحته وأحاديث صحبه ومريديه فحسبت هذه من الدعابة البريئة ثم بالغ فيها المبالغون،ولم يثبتوها بقصة واحدة أو شاردة واحدة تجيز لهم ما تقولوه . *** وقد كانت للامام صفات ومزايا فكرية تنامي المشهور المتفق عليه من صفاته النفسية ومزاياه الخلقية. فاتفق خصومه وأنصاره على بلاغته، واتفقوا على علمه وفطنته ، وتفرقوا فيما عدا ذلك من رأيه في علاج الأمور ودهائه في سياسة الرجالوالحق الذي لا مراء فيه أنه كان على نصيب من الفطنة النـافذة لا ينكره منصف ، وانه أشار" على "عمر وعثمان أحسن المشورة في مشكلات الحكم والقضاء ، وأنه كان أشبه الخلفاء بالباحثين والمنقبين أصحاب الحكمة ومذاهب التفكير وعنه أخـذ الحكماء الذين شرعوا علم الكلام قبل أن يتطرق إليه علم فارس أو علم يونان .. وكان يفهــم أخلاق الناس فهم العالم المراقب الخفايا الصدور ويشرحها في عظاته وخطبه شرح الأديب اللبيب الى هنا متفق عليه لا يكثر فيه الخلاف ، ثم يفترق الناس في رأيه رأيين وان لم يكونوا من الشانثين المتحزبين ، فيقول أناس أنه كان على قسط وافر من الفهم والمشورة ، ولكنه عند العمل لا يرى ما تقضي به الساعة الحازبة ولا ينتفع بما يراه . ويقول أناس بل هو الاضطرار والتحرج يقيدانه ولا يقيدان أعداءه وانهم لدونه في الفطنة والسداد. وهو رضي الله عنه قد اعتذر لنفسه بمشابه من هذا العذر حين قال : « والله ما معاوية بأدهى منيّ ، ولكنه يغدر ويفجر ، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس » • أما مقطع الرأي بين الرأيين فنرجو أن نفصله في مواضعه من الفصول التالية مشفوعاً بمناسباته،ولكننا لا نستطيع أن نجزم هنا بحقيقتين تجملان ی ما نبسطه في مواضعه من الكتاب ، ولا نحسبهما تتسعان لجدال طويل ، وهما ان أحدا لم يثبت قط ان العمل بالآراء الأخرى كان أجدى وأنجع في فض المشكلات من العمل برأي الأمام ، وأن أحدا لم يثبت قط أن خصوم الأمـام كانوا يصرفون الأمور خيرا من تصريفـه، لو وضعوا في موضعه واصطلحت عليهم المتاعب التي اصطلحت عليه . وكلتا الحقيقتين حرية أن تضبط لسان الميزان قبل أن يميل فيغلو به الميل هنا أو هناك . * * * هذه صفات تنتظم في نسق موصول : رجل شجاع لأنه قوي ، وصادق لأنه شجاع ، وزاهد مستقيم لأنه صادق ، ومثار للخلاف لأن الصدق لا يدور بصاحبه مع الرضا والسخط والقبول والنفور، واصدق الشهادات لهذا الرجل الصادق ان الناس قد أثبتوا له في حياته أجمل صفاته المثلى ، فلم يختلفوا على شيء منها الا الذي اصطدم بالمطامع وتفرقت حوله الشبهات، وما من رجل تتعسف المطامع أسباب الطعن فيه ثم تنفذ منه الى صميم . ================ ٢ مِفتاح شخصيّته «آداب الفروسية»، هي مفتاح هذه الشخصِّية النبيلة الذي يفض منها كل مُغلق ويفسّر منها كل ما احتاج الى تفسير. وآدابُ الفروسية هيَ تلك الآداب التي نلخصُّها في كلمةٍ واحــدة وهي النخوة.. وقد كانت النخوةُ طبعا في عليِّ فُطرَ عليـه، وأدباً من آداب الأسرة الهاشمية نشأ فيه، وعادةٌ من عادات « الفروسية » العملية التي يتعودُها كل فارس وشجاع متغلب على الأقران، وان لم يطبع عليها وينشأ في حجرها. لأن للغلبة في الشُّجاع أنفة تأبى عليه أن يسفّ الى ما يُخجله ويُشينه، ولا تزال به حتى تعلمه النخوة تعلماً، وتمنعه أن يعمل في السر ما يزري به في العلانية. وهكذا كان علي رضي الله عنه في جميع أحواله وأعماله : بلغت به نخوة الفروسية غايتها المثلى ، ولا سيما في معاملة الضعفـاء من الرجال والنساء . فلم ينس الشرف قط ليغتنم الفرصة ، ولم يساوره الريب قط في الشرف ، والحق انها قائمـان دائمان كانهما مودعان في طبائع الأشياء . فاذا صنع ما وجب عليه فلينس" من شاءوا ما وجب عليهم، وإن أفادوا كثيرا وباء هو بالخسار.. أصاب المقتل من عدوه مرات فلم يهتبل الفرصة السانحة بين يديه، لأنه أراد أن يغلب" عدوه غلبة الرجل الشجاع الشريف ، ولم يرد أن يغلبه أو يقتص منه كيفما كان سبيل الغلب والقصاص .. قال بعض من شهدوا معركة صفين : لما قدمناعلى معاوية وأهل الشام بصفين وجدناهم قد نزلوا منزلا اختار وه مستويا بساطاً واسعاً وأخذوا الشريعة .. أي مورد الماء ... فهي" في أيديهم . وقد أجمعوا على أن يمنعونا الماء . ففزعنا الى أمير المؤمنين فخبر ناه بذلك فدعا صعصعة بن صوحان فقال له : إنت معاوية وقل له انا سرنا مسيرنا هذا اليكم ونحن نكره قتالكم قبل الاعذار اليكم ، وانك قدمت الينا خيلك ورجلك فقاتلتنا قبل أن نقاتلك و بدأتنا ، ونحن من رأينا الكف عنك حتى ندعوك ونحتج عليك ، وهذه أخرى قد فعلتموها اذ حلتم بين الناس وبين الماء . والناس غير منتهين أو يشربوا فابعث إلى أصحابك فليخلوا بين الناس وبين الماء ويكفوا حتى ننظر فيما بيننا وبينكم وفيها قدمنا له وقدمتم له... ثم قال راوي الخبر ما معناه أن "معاوية سأل أصحابه فأشاورا عليه أن يحول بين علي وبين المورد غير حافل بدعوته إلى السلم ولا بدعوته الى المفاوضة في أمر الخلاف ، فأنفذ معاوية مددا الى حراس المورد يحمونه ويصدون من يقترب منه ، ثم كان بين العسكرين تراشق بالنبل فطعن بالرماح فضرب بالسيوف حتى اقتحم أصحاب على طريق الماءو ملكوه . وهنا الفرصة الكبرى لو شاء على أن يهتبلها ، وأن يغلب أعداءه بالظما كما أرادوا أن يغلبوه به قبيل ساعة .. وقد جاء أصحابه يقولون : والله لا نسقيهموه . فكأنما كان هو سفير معاوية وجنده إليهم يتشفع لهم ويستلين قلوبهم من أجلهم . وصاح بهم : «خذوا من الماء حاجتكم وأرجعوا إلى عسكركم وخلوا عنهم ، فإن الله عز وجل قد نصر كم عليهم بظلمهم وبغيهم» ۔ ولاحت له فرصة قبل هذه الفرصة في حرب أهل البصرة ، فابي أن يهتبلها وأغضب أعوانه انصافا لأعدائه ، لأنه نهاهم أن يسلبوا المــال ويستبيحوا السبي وهو في رأيهم حلال . قالوا : أتراه يحل لنا دماءهم ويحرم علينا أموالهم ؟ .. فقال : ( إنما القوم أمثالكم ، من صفح عنا فهو منا ونحن منه،ومن لج حتى يصاب فقتاله مني على الصدر والنحر وسن لهم سنة الفروسية أو سنة النخوة حين أوصاهم ألا يقتلوا مدبراً ولا يجهزوا على جريح ولا يكشفوا ستراً ولا يمدوا يدا الى مال . ومن الفرص التي أبت عليه النخوة أن يهتبلها فرصة عمرو بن العاص وهو ملقى على الأرض مكشوف السواة لا يبالي أن يدفع عنه الموت بما حضره من وقاء، فصدف بوجهه عنه آنفا ان يصرع رجلا يخاف الموت هذه المخافة التي لا يرضاها من منازله في مجال صراء. ولو غير على أتيح له أن يقضي على عمرو لعلم انه قاض, على جرثومة عداء ودهاء فلم يبال أن يصيبه حيث ظفر به، ولا جناح عليه. *** لقد كان رضاء من الآداب في الحرب والسلم رضا الفروسية العزيزة من جميع آدابها ومأثوراتها. فكان يعرف العدو عدوا حيثما رفع السيف..لقتاله ولكنه لا يعادي امرأة ولا رجلا موليا ولا جريحاعاجزا عن نضال ولا ميتا ذهبت حياته ولو ذهبت في سبيل حربه.. بل لعله يذكر له ماضيه يومئذ فيقف على قبره ليبكيه ويرثيه ويصلي عليه. وهذه الفروسية هي التي بغضت اليه أن ينال أعداءه بالسباب وليس من دأب الفارس أن ينال" أعداءه بغير الحسام. فلا سمعَ قوما من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حروبهم بصفين قال لهم : « اني أكره أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم اياهم : اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالهم حتى يعرف الحق من جهله ، و يرعوي عن الغي والعدوان من لهج به». وربما شذ عن سنته هذه في بعض الأحايين فاذا به لا يشذ عنها الأكا يشذ الفرسان حين تغلبهم بوادر اللسان .. فندر بين رجال السيف من يسمع الكلمة المغضبة فلا ينطق لسانه بكلمة عوراء يجاري بهـا غضبه الذي طبع على ابدائه ولم يطبع على كتمانه. ومن قبيل هذا كلمات قالها على في ابن العاص وفي معاوية وفي الأشعث بن قيس وغير هؤلاء. ولكنه لم يجعلها ديدنا له كما سبوه على المنابر وأشاعوا مذمته بين أهل الأمصار . شغب عليه الأشعث بن قيس ومرد عليه الجند وأفشى بين أنصاره الفتنة وقاطعه مرة وهو يخطب على منبر الكوفة فأغضبه وهاج غيظه فبدره بقوله : ( عليك لعنة الله ولعنة اللاعنين : حائك بن حائك ، منافق ابن كافر ، والله لقد أسرك الكفر مرة والاسلام أخرى ، فها فداك من واحدة منها ما لك ولا حسبك ، وأن امرأ ولى على قومه السيف وساق إليهم الحتف لحري" أن يمقته الأقرب ولا يأمنه الأبعد ». *** وطفق ابن العاص ينعته بين أهل الشام بالهزل والدعابة ويأمر بسبه على المنابر حتى وجب رده وادحاض زعمه، فقال رضي الله عنه في بعض خطبه : عجبا لابن النابغة !.. يزعم لأهل الشام ان في دعابة ، اني امرؤ تلعابة : اعانس وامارس١. لقد قال باطلا ونطق آثما • أما ـ وشر القول الكذب ـ انه ليقول فيكذب ، ويعد فيخلف ، و يسأل فيبخل ، ويخون العهد ويقطع الآل٢ ، فاذا كان عند الحرب فاي زاجر وآمر هو ما لم تأخذ السيوف مآخذها . فاذا كان ذلك كان أكبر مكيدته أن يمنح القوم سبته . أما والله اني ليمنعني من اللعب ذكر الموت . وانـه ليمنعه من قول الحق" نسيان الآخرة . انه لم يبايع معاوية حتى شرط أن يؤتيه آتية ويرضخ له على ترك الدين رضيخة٣ وكذلك كان يجبه معاوية وغيره بنظاير هذه الكلمات حين يجترئون عليه بما يغض" من حقه ويقدح في دعوته ، فلا يشذ عن ديدن الفرسان في روية فكره ولا بوادر لسانه ، ولكن الفلتات التي من هذا القبيل شية واتخاذ السباب صناعة دائمة وسلاحا مشهوراً وسبيلاً الى القول الباطل شيء آخر .. ولقد كانت للامام رضي الله عنه شواغل أخرى غير الفروسية تجري في مجراها حينا وتبدو غريبة عنها حينا آخر في عرف بعض الناقدين ، ومنها التفقه والنزوع الى « التصوف ، واستنباط حقائق الأشياء . *** فهذه في عرف في بعض الناقدين ليست من مزاج الفروسية على ظاهر ما قدروه .. ولكن ما التصوف أو التجرد للحقيقة ..؟ أليس هو في معدنه جهاداً في الحق أو جهاداً في الله ..؟ أليست طبيعة الجهاد وطبيعة الفروسية من معدن واحد ..؟ ألم تعهد في كل ملة وكل زمان فئات من الناس يجاهدون لأنهـــــــم متدينون متنطسون ، أو يتدينون ويتنطشون لأنهم مجاهدون ..؟ فالامام علي رضي الله عنه فارس لا يخرجه من الفروسية فقه الدين بل هو أحرى أن يسلكه فيها . ولا يخرجه من الفروسية بعض المقـال في خصومه بل هي بوادر الفرسان بعينها ، ولا تزال آداب الفروسية بشئی عوارضها هي المفتاح الذي يدار في كل باب من أبواب هـذه النفس فاذا هو منكشف للناظر عما يليه . المعانسة : مضاربة الناس مزاحا ومغازلة النساء. الآل : القرابة والرحم . الآتية : العطية . ومثلها الرضيخة مع قلة . ================== ٣ إسلامه ولد علي في داخل الكعبة، وكرم الله وجهه عن السجود لأصنامها، فكانما كان ميلاده ثمة ايذانا بعهد جديد للكعبة وللعبادة فيها. وكاد علي أن يولد مسلما.. بل لقد ولد مسلما على التحقيق اذا نحن نظرنا إلى ميلاد العقيدة والروح، لأنه فتح عينيه على الاسلام ولم يعرف قط عبادة الأصنام. فهو قد تربى في البيت الذي خرجت منه الدعوة الاسلامية وعرف العبادة من صلاة النبي وزوجته الطاهرة قبل أن يعرفها من صلاة أبيه وأمه، وجمعت بينه وبين صاحب الدعوة قرابة مضاعفة ومحبة أوثق من محبة القرابة. فكان ابن عم محمد عليه الصلاة والسلام وربيبه الذي نشأ في بيته و نعم بعطفه وبره. وقد رأينا الغرباء يحبون محمداً ويؤثرونه على آبائهم وذويهم. فلاجرم يحبه هذا الحب من يجمعـه به جد ، ويجمعه به بيت ، ويجمعه به جميل معروف : تجميل أبي طالب يؤديه محمد وجميل محمد يحسه ابن أبي طالب وياوي إليه .. واختلفوا في سننه حين اسلامه من السابعة الى السادسة عشرة،ولعله أسلم في نحو العاشرة لأنه كان يناهزها عند اعلان الدعوة المحمدية ، وكان النبي عليه السلام يتعبد في بيته عبادة الاسلام قبـل الدعوة بفترة غير قصيرة ، وليس ما يمنع عليا أن يألف تلك العبادة في طفولته الباكرة . فاذا هو نفر منها وأعرض عنها لغير سبب في تلك الطفولة الباكرة فالعجيب انه يعود إلى ألفتها والرضا بها بعد أن بلغ السن التي يعرف فيها معنى الغضب لعبادة الآباء والأجداد . ولولا ألفة علي لابن عمه وكافله لما قربته القرابة وحدها من الدين الذي دعي اليه،فقد أصر كثير من أقرباء النبي على الشرك زمنا طويلا، منهم عقيل أخوه وأحب اخوته الى ابيه . فحارب" المسلمين في بدر ولم يسلم وقد وقع في أسر النبي وصحبه : بل افتداه عمه العبـاس وخرج من الأسر وهو على دينه ، ثم أسلم بعد صلح الحديبية مع طائفة من الغرباء و الأقربين على أن الألفة بين ابني العم الكريمين قد أوشكت أن تكون عائقاً لاسلام علي في طفولته الباكرة . لأن النبي عليه السّلام أبى أن ينتزع الطفل من دين أبيه وابوه لا يعلم ، وأشفق أن يكون بره بعمه وبابن عمه سبيلا الى التفرقة بين الأب وابنه وهو لا يدرك ما يفعل ، ولم يشأ أن يعود الطفل الصغير أن يخفي سرا عن أبيه كأنه يخدعه بإخفائه ولو في سبيل الهداية والخير ، فظل هذا الحرج الكريم عائقاً عسيراً أعسر ما فيه انه عائق اختيار يهون معه الاضطرار ، أو عائق حيرة تقل فيها حيلة الكريم ، حتى شاع أمر الدعوة المحمدية وعلم بها أبو طالب و نصر ابن أخيه وأمر عليا بمتابعة أبن عمه ونصره ، فأقبل الغلام البر بأبيه وبكافله اقبال لا تلجلج فيه على الدين الجديد . وملأ الدين الجديد قلبا لم ينازعه فيه منازع من عقيدة سابقة ولم يخالطه شوب يكدر صفاءه ويرجع به الى عقابيله .. فبحق ما يقال ان عليا كان المسلم الخالص على سجيته المثلى ، وأن الدين الجديد لم يعرف قط أصدق اسلاما منه ولا اعمق نفاذا فيه . *** كان المسلم حق المسلم في عبادته ، وفي علمه وعمله ، وفي قلبـه و عقله ، حتى ليصح أن يقال انه طبع على الاسلام فلم تزده المعرفة الا ما يزيده التعليم على الطباع .. كان عابدأ يشتهي العبادة كأنها رياضة تريحه وليست أمرأ مكتوباً عليه. وكان يرى في كهولته وكأنما جبهته ثفنة بعير من أدمان السجود. وكان على محجة في الاسلام لا يحيد عنها لبغية ولا لخشية ، فكلمـا زينوا له الهوادة أبي «أن يداهن في دينه ويعطي الدنيـة في أمره ، وآثر الخير" كما تراه على الخير كما يراه الناس .. وكان دينه له ولعدوه ، بل له ولعدو" دينه ، فما كان الحق" عنده لمن يرضاه دون من يقلاه ، ولكنه كان الحق لكل" من استحقه وإن بهته وآذاه .. وجد درعه عند رجل نصراني فاقبل به الى شريح ... قاضية ... يخاصمه مخاصمة رجل من عامة رعاياه ، وقال : انها درعي ولم أبع ولم أهب ، فسأل شريح النصراني : ما تقول فيا يقول أمير المؤمنين ..؟ قال النصراني : ما الدرع الا درعي وما أمير المؤمنين عندي بكاذب ! .. فالتفت شريح إلى علي يسأله : يا أمير المؤمنين هل من بينة ! .. فضحك علي وقال : أصاب شريح . مــالي بينة ! .. فقضى بالدرع للنصراني فأخذها ومشى و «أمير المؤمنين، ينظر إليه ... إلا أن النصراني لم يخط خطوات حتى عاد يقول : أما أنا فأشهد ان هذه احكام أنبياء .. أمير المؤمنين يدينني الى قاضيه يقضي عليه ! . أشهد أن لا اله الا الله وان محمداً رسول الله ، والدرع والله درعك يا أمير المؤمنين . اتبعت الجيش وانت منطلق الى صفين فخرجت من بعيرك الأورق ، فقال : أما اذا أسلمت فهي لك ، وشهد الناس هذا الرجل" بعد ذلك وهو من أصدق الجند بلاء في قتال الخوارج يوم النهرون . *** وأحسن الاسلام علما وفقہا کا أحسنه عبادة وعملاً . فكانت فتاواه مرجعا للخلفاء والصحابة في عهود أبي بكر وعمر وعثمان ، و ندرت مسألة من مسائل الشريعة لم يكن له رأي فيها يؤخذ به أو تنهض له الحجة بين أفضل الآراء الا ان المزية التي امتاز بها على بين فقهاء الاسلام في عصره انه جعل الدين موضوعا من موضوعات التفكير والتأمل ولم يقصره على العبادة واجراء الأحكام ، فاذا عرف في عصره اناس "فقهوا في الدين ليصححوا عباداته ويستنبطوا منه أقضيته وأحكامه ، فقد امتاز" على بالفقه الذي يراد به الفكر المحض والدراسة الخالصة ، وأمعن فيـه ليغوص في أعماقه على الحقيقة العلمية ، أو الحقيقة الفلسفية كما نسميها في هذه الأيام . ويصح أن يقال ان عليا ، رضي الله عنه أبو يعلم الكلام في الاسلام ، لأن المتكلمين أقاموا "مذاهبهم على أساسه كما قال ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة . فواصل بن عطاء كبير هم تلميـذ أبي هاشم عبد الله ابن محمد بن الحنفية ، وابو هاشم تلميذ أبيه ، وأبوه تفيـذ علي رضي الله عنه . وأمـا الأشعرية فأنهم ينتمون الى أبي الحسن علي بن أبي الحسن على بن أبي بشر الأشعري" وهو تلميذ أبي علي الجبـائي ، وأبو علي الجبائي أحد مشايخ المعتزلة الذين علمهم واصل بن عطاء .. أما الفقه فأمامه الأكبر أبو حنيفه قرأ على جعفر بن محمد وجعفر بن محمد قرأ على أبيه وهكذا ينتهي الأمر الى علي رضي الله عنه، وقدقرأ مالك بن أنس على ربيعة الرأي ، وقرأ ربيعة على عكرمة ، وقرأ عكرمة على عبدالله ابن عباس وقرأ عبد الله بن عباس على علي رضي الله عنه . وقيل لابن عباس : أين علمك من علم ابن عمك؟: فقال : كنسبة قطرة من المطر الى البحر المحيط. *** قال ابن أبي الحديد : « ومن العلوم علم الطريقة والحقيقة وأحوال التصوف ، وقد عرفت ان أرباب هذا الفن في جميع بلاد الاسلام اليه ينتهون وعنده يقفون . وقـد صرح بذلك الشبلي والجنيد وسري وأبو زيد البسطامي وأبو محفوظ معروف الكرخي وغيرهم .ويكفيك دلالة على ذلك: الخرقة التي هي شعارهم الى اليوم ، وكونهم يسندونها باسناد متصل اليه عليه السلام » . *** وقد جمع « نهج البلاغة » نماذج شتى من الكلمات التي تنسب اليه ويصح أن تحسب أصلا « للعلم الالهي ، أو لأسرار التصوف في صـدر الاسلام قبل اشتغال المسلمين بفلفسة اليونان وحكمة الأمم الاجنبية .وربما وقع الشك في نسبة بعض الكلمات الى علي رضي الله عنه لأنها تجمعت بعد عصره بزمن طويل وامتزج بهـا ما لا بد أن يمازجها من علوم القرن الثالث وما بعده ، ولكن شيئا على هذا النهج لا بد أن يكون قد صدر منه حقا حتى جاز أن يتصل النسب بينه وبين أئمة التوحيد وعلم الكلام على النحو الذي تواترت به الاقوال ، وأجمله ابن أبي الحديد فيها تقـدم . . *** ولنا أن نقول أنه كان رضي الله عنه يتتلمذ القرآن الكريم ويستوحيه نصا في عرفان اسلامه وتقرير ايمانه . فكانت نظرته الى الخلق والخالق نظرة قرآنية يبتكر مـا شاء ابتكار التلميذ في الحكاية عن الأستاذ ، فكلامه عن الطاووس والخفاش والزرع والسحاب انمـا هو الدرس القرآني الذي وعاه من أمر الكتاب بالنظر في المخلوقات ووصف الكتاب لطوائف منها كالنمل والنحل والطير والأجنة في الأرحام . فهو تلميذ ربه جل وعلا في قوله عن الخفـــاش : « من لطائف صنعته وعجائب حكمته ما أرانا من غوامض الحكمة في هذه الخفافيش التي يقبضها الضياء الباسط لكل شيء ويبسطها الظلام القابض لكل حي ، وكيف غشيت أعينها عن أن تستمد من الشمس المضيئة نورا تهتدي به في مذاهبها .. فسبحان من جعل الليل لها نهاراً ومعاشاً . والنهار لها سكنا وقرارا ، وجعل لها أجنحة من لحمها تعرج بها عند الحاجة الى الطيران كانها شظايا الآذان ، غير ذوات ريش ولا قصب .. تطير وولدهـا لاصق بها لاجيء إليها، يقع اذا وقعت، ويرتفع اذا ارتفعت، لا يفارقها حتى تشتد أركانه ، ويحمله للنهوض جناحه، ويعرف مذاهب عيشه ومصالح نفسه، فسبحان الباريء لكل شيء على غير مثال خلاف غيره» . ومثله قوله عن الطاووس: «ومن أعجبها خلقا الطاووس الذي أقامه في أحكم تعديلنضد ألوانه في أحسن تنضيد ، بجناح أشرج قصبه وذنب أطال سحبه ، اذا درج الى الأنثى نشره من طيه ، وسما به مظلا على رأسه . وقـد ينحسر من ريشه ويعرى من لباسه فيسقط تترى وينبت تباعا ، فينحت من قصبة نحتـات أوراق الأغصان ، ثم يتلاصق ثانيا حتى يعود كهيئته قبل سقوطه لا يخالف سالف ألوانه ولا يقع لون في غير مكانه». ونحن لا نستغرب ابتداء هـذا النمط من النظر الفلسفي على نحو من الأنحاء في عصر الامام علي رضي الله عنه . لأنه كان عهدا نبتت فيـه أصول الفرق الاسلامية جميعاً من الخوارج والشيعة والقائلين بالرجعة و تناسخ الأرواح والمجتهدين في قراءة القرآن وتفسيره على شتى المذاهب . فاقرب شيء إلى المعقول أن يكون أمام العصر كله قدوة في الاجتهـاد والنظر وعنوانا للنوازع التي تفرقت بين أهل زمانه وتعبيرا صادقا لتفكيره ووعيه ، وصاحب أقوال من قبيل هذه الأقوال التي قدمناها وان لم تكن هي اياها بالنص والتفصيل . ويستقيم مع هذا التقدير أن يكون الامام على سجيته مؤثرا للاجتهاد ما استطاعه ، معرضا عن التقليد ما استغنى عنه ، فوافق الخلفاء من قبله في أمور وخالفهم في أمور ، وأبى أن يأتم بعملهم فيها يراه وما لا يراه ، وأوصى ابنه الحسن وقد بلغ الستين فقال : « .. اعلم يا بني ان أحب ما أنت آخذ به الي من وصيتي تقوى الله والاقتصار على ما فرضه الله عليك والأخذ بما مضى عليه الأولون من آبائك والصالحون من أهل بيتك ، فأنهم لم يدعوا ان نظروا إلى أنفسهم كما أنت ناظر وفكروا كما أنت مفكر .. فان أبت نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم کا علموا فليكن طلبك ذلك بتفهم وتعلم ، لا يتورط الشبهات ، وعلـق الخصومات ، وابتدىء قبل نظرك في ذلك بالاستعانة بالهك، والرغبة إليه في توفيقك ، وترك كل شائبة أولجتك في شبهة أو أسلمتك الى ضلالة ، فان أيقنت أن فد صفا قلبك ، وتم رأيك فاجتمع ، وكان همك في ذلك هما واحـــدا فانظر فيا فسرت لك .. » وربما كانت هذه الوصية وحدها كافية للتعريف باسلام علي كما ارتضاه لنفسه وارتضاه للقادرين عليه من أتباعـه فانما هو اسلام المسلم - المطبوع ، الذي يبتكر دينه لأنه يعتمد فيه على وحي بصيرتـه وارتجال مزاجه ، وانما هو اسلام الحكيم المجتهد الذي يرجع في الحكمة والاجتهاد الى رياضـة النفس على سنة النساك وتمحيص الفكر على سنـة العلماء ، وإنما هو أسلام الرجل الذي أتيح له أن يتتلمذ لربه ويتربى في حجر نبيه ويصبح إماماً للمقتدين من بعده . ================== ٤ عصر الإمام كانت الظاهرة الكبرى في عصر ( علي ، ظاهرة اجتماعية خاصة به دون عصور الخلفاء من قبله ، ولم تكن في حقيقتها ظاهرة سياسية أو حربية عسكرية ، على شدة القتال فيها وغزارة الدمـاء التي أريقت في حروبها. فعصر أبي بكر كان هو العصر الذي نشأت فيه الدولة الاسلامية. وعصر عمر كان هو العصر الذي تم فيه انشاؤها. و عصر عثمان كان هو العصر الذي تكون فيه المجتمع الاسلامي بعد نشأة الدولة الجديدة. فبرز فيه نظام جديد على أساس الثروة المجلوبة من الأقطار المفتوحة ، وعلى أساس الولايات التي تولاهـا بعض الطبقات المرشحة للرئاسة من العلية وأشباهها. أما عصر عليّ فكان عصراً عجيبا بين ما تقدمه وجاء في أعقابه أو هو صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/54 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/55 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/56 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/57 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/58 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/59 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/60 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/61 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/62 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/63 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/64 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/65 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/66 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/67 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/68 =================\ ٥ البيعة بويع لعلي بالخلافة بعد حادثة من أفجع الحوادث الدامية في تاريخ الاسلام ، وهي مقتل الخليفة عثمان بن عـفـان في شيخوخته الواهنة ، بعد أن حصروه بين جدران داره ، وكاد يقتله الظما لو أمهله القتلة بضعة أيام .. وأفجع ما كان في هذه الحادثة ، انها بلاء لا يدفع وقضاء لا حيلة لأحد في اتقائه لأن المسؤولين عنه كثيرون متفرقون في كل جانب يناصره أو يعاديه .. فاذا امتنع الأعداء لم يمتنع الأصدقاء ، واذا بطل الشر الذي فيه اختيار لم يبطل الشر الذي لا اختيار فيه ، وربما كان حسن النيـة وسوء النية هنا يصنوين متساويين . فمن الأعمال المؤسفة التي عجلت بالفاجعة أعمال كثيرة بدرت من عثمان نفسه ، أو لعله أقدم عليها بعـد قصد ومراجعة ، وليست هي في تعجيلهـا ولا في سوء مغبتها بأهون من أعمال الأعداء .. صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/70 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/71 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/72 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/73 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/74 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/75 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/76 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/77 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/78 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/79 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/80 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/81 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/82 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/83 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/84 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/85 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/86 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/87 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/88 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/89 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/90 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/91 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/92 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/93 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/94 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/95 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/96 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/97 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/98 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/99 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/100 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/101 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/102 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/103 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/104 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/105 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/106 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/107 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/108 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/109 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/110 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/111 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/112 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/113 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/114 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/115 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/116 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/117 ======== ٧ سياسته تسري في صفحات التاريخ أحكام مرتجلة يتلقفها فم من فمي ، ويتوارثها جيل" عن جيل ، ويتخذها السامعون قضية مسلمة ، مفروغا من بحثها والاستدلال عليها ، وهي في الواقع لم تعرض قط على البحث والاستدلال ، ولم تجـاوز أن تكون شبهة وافقت ظواهر الأحوال ، ثم صقلتها الألسنة فعز عليها بعد صقلها أن تردها الى الهجر والإهمال كل أولئك من لغو الشعوب .. وللشعوب بداهة تقصر دونها بداهة الغواصين من الأفراد ، ولكنها اذا لغت فشوطها في اللغو أوسع من شوط الفرد بامد بعيد .. من تلك الأحكام المرتجلة قولهم ان عليا بن أبي طالب رجل شجاع ، ولكن لا علم له بخدع الحرب والسياسة 1 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/120 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/121 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/122 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/123 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/124 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/125 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/126 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/127 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/128 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/129 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/130 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/131 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/132 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/133 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/134 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/135 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/136 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/137 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/138 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/139 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/140 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/141 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/142 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/143 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/144 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/145 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/146 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/147 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/148 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/149 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/150 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/151 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/152 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/153 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/154 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/155 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/156 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/157 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/158 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/159 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/160 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/161 ٧ حكومته كانت الدولة الاسلامية الناشئة على شفا الخطر في إبان الفتنة الداخلية بين علي ومعاوية .. ولكنها وقيت منه لأن عوامل الأمان الذي يحيط بها كانت أقوى من عوامل الخطر الذي يهددها .. وتتلخص عوامل الأمان في وقاءين اثنين : أحدهما ، ان الاسلام كان دعوة طبيعية تلقاها العالم وهو مستعد لها مستريح اليها ، فرسخت دعائمه وامتنعت حدوده بعـد أعوام قليلة من ظهوره ، وسكن اليه الناس مؤمنين بدوام ظله وشمول عدله ، سواء منهم من دخل فيه ومن أوى إلى حكمه وهو باق على اعتقاده .. وثانيها ، ان أعداء الاسلام كانوا في شاغل عنه بما أصابهم من الوهن وأحدق بهم من المخاوف ، وربما صح في الفتنة الاسلامية يومئذ ما يصح في كثير من الطوارق التاريخية الكبرى ، وهي أنها لن تكون شرا محضاً - ۱۹۳ - } ! 1 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/164 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/165 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/166 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/167 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/168 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/169 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/170 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/171 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/172 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/173 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/174 ==================== ٨ النبي والإمام والصحابة أحاديث النبي عليه السلام في فضل علي ومحبته متواترة في كتب الحديث المشهورة .. منها ما انفرد به ، وهو حديث الخيمة الذي رواه الصديق رضي الله عنه حيث قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خيم خيمة ، وهو متكىء على قوس عربية، وفي الخيمة على وفاطمـة والحسن والحسين ، فقال : معشر المسلمين .. أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة ، حرب لمن حاربهم ، ولي لمن والاهم ، لايحبهم الا سعيد الجد طيب المولد، ولا يبغضهم الاشقي الجد ردىء الولادة ) . ومنها ما اشترك فيه وغيره ، وهو الذي روته السيدة عائشة حيث سئلت : « أي الناس أحب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟.. قالت: فاطمة !.. فقيل : من زوجها !.. قالت : زوجها .. ان كان ما علمت صواما قواما ، وقد روي حديث في هذا المعنى ، حيث سئل رسول الله عن أحب صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/176 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/177 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/178 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/179 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/180 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/181 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/182 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/183 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/184 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/185 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/186 ================ ٩ ثقافة السنة الخلق أقلام الحق .. كلمة سائغة ليس أصدق منها ان صدقت ، وهي صدق في كثير من الأحيان .. ونحن نعلم صدقها الأصيل حين نسمع الكلمة من هذه الكلمات التي ينقلها لسان عن لسان ويتلقاها جيل عن جيل ، فيخيل الينا انها خاطر عابر يسمع ويستملح ويشفع له القدم .. فتقبله كرامة له كما تقبل الثمين والغث أحيانا من وقار المشيب ، ولكنه بعد هذا لا يثبت على النقـد ولا يصبر على مراجعة العلم والقياس، ثم نعرضه اتفاقا على العلم والقياس .. فاذا به قد احتمل من النقد العسير مـا ليست تحتمله آراء العلماء وقضايا الحكماء ، واذا بالخطأ في هذه القولة الشائعة أو في هذا اللقب المرتجل أقل من كل خطا يحصى على كلام مخلوق .. من هذه الألقاب الشائعة ، لقب الامام الذي اختص به على بين جميع الخلفاء الراشدين ، والذي يطلق اذا أطلق فلا ينصرف الى صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/188 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/189 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/190 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/191 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/192 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/193 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/194 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/195 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/196 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/197 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/198 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/199 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/200 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/201 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/202 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/203 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/204 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/205 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/206 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/207 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/208 ================ ١٠ في بيته خلاصة رأي الامام في المرأة أنها « شر كلها .. وشر ما فيها انه لا بد منها ، .. كان يرى لها فضائل خاصة تليق بها غير الفضائل التي تليق بالرجل وتحمد منه .. « فخيار خصال النساء شرار خصال الرجال .. الزهو ، والجبن ، والبخل . .. فاذا كانت المرأة مزهوة لم تمكن من نفسها ، واذا كانت بخيلة حفظت مالها ومال بعلها ، وإذا كانت جبانة فرقت من كل شيء يعرض لها ، . . والإمام صائر الى رأيه هذا في المرأة من كلنا طريقيه ، وهما طريق الحكيم الذي ينظر اليها على سنة الحكمة القديمة ، وطريق العـابد الذي ينظر إليها على سنة العبادة في جميع العصور .. ولكنه لا رأى الحكيم ولا حس العابد قد حجبه قط عن فطرته الغالبـة عليه ، وهي فطرة الفارس المطبوع في آداب الفروسية ، ومنها التلطف بالمرأة والصفح عن عدوانها .. فما انتقم قط من امرأة لأنها أساءت إليه ، ولا غفـل قط عن صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/210 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/211 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/212 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/213 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/214 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/215 ============ صورة مجملة من كلمات الامام التي لم يقلها أحد غيره كلمته في خطاب الدنيا حيث يقول : « يا دنيا غري غيري .. غري غيريوانها لأكثر من كلمة ، وأكثر من دعاء .. انها لسان قدر ، وعنوان حياة .. فقد خلق الامام، وفي كل خليقة من خلائقه الكبار اجتراء على الدنيا، على ضرب من ضروب الاجتراء . خلق شجاعاً بالغاً في الشجاعة ، وزاهدا عظيم الزهد ، ودارساً محباً للحقيقة الدينية يتحراها حيث اهتدى اليها .. والشجاع جريء على الدنيا لأنه لا يبالي الحياة والزاهد جريء على الدنيا لأنه لا يبالي النعيم.. وطالب الحقيقة جرىء على الدنيا لأنها طريق عنده الى غاية من ورائها .. صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/218 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/219 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/220 صفحة:عبقرية الامام علي (دار الكتاب العربي 1967).pdf/221 =========== ===========================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق